المقالات
وهم الفريق التفاوضي
د. عيدروس النقيب
تاريخ النشر: الثلاثاء 10 اكتوبر 2023 - الساعة 20:18:39

من بين الأوهام التي يجري تسويقها للجنوبيين وتقديمها لهم وكأنها الوصفة السحرية التي سيقضون بها على كل عذاباتهم ومعاناتهم الممتده منذ ثلاثة عقود، وهمٌ اسمه "الفريق التفاوضي"، والذي يشكل مع أحجية "الإطار التفاوضي" وأكذوبة "حكومة المناصفة" ثلاثية متلازمة من ألعاب الخدع البصرية الماكرة التي أريد بها إغراق الجنوبيين في ألغاز التعلق بالوسيلة والالتهاء بها والانشغال عن الغاية ونسيانها، أو نقلها إلى الدرجة الثانية او الثالثة من الاهتمام.

في كل الصراعات أو حتى التحالفات السياسية يضع كل طرف سياسي استراتيجيته وغاياته النهائية في صدارة انشغالاته ويجعلها العنوان الرئيسي والديدن اليومي الذي لا يخضعه لأية مساومة أو مراوغة أو تجزئة أو قابلية للاستبدال الكلي أو الجزئي، وحينما يضطر هذا الطرف أو ذاك إلى الدخول في مناورات أو مساومات سياسية من أي نوع أو حتى القبول بتنازلات، فإن ذلك يكون في إطار الوسائل والأدوات دون المساس بالغايات والأهداف النهائية.

بعض الجنوبيين ومنهم مثقفون وأكاديميون بل وقادة سياسيون ، لا يدعون مناسبة إلا ويطالبون بسرعة تشكيل الفريق التفاوضي، متناسيين أن طرفي الحرب لا يريدان الذهاب باتجاه التفاوض ولا يرغبان في الخوض في استحقاقاته، وأنه حتى لو شكلت الشرعية فريقها التفاوضي ما يزال للحوثيين فريقهم التفاوضي وكلمتهم التي قد تكون هي الحاسمة في أي تفاوض على الأرجح.

ومن هذا المنطلق فإنني لا أرى مبرراً لهذا التشبث من قبل بعض الجنوبيين بضرورة الإسراع بتشكيل الفريق التفاوضي الذي لن يكون للجنوب فيه سوى نصف وأقل من نصف هذا النصف سيكون من نصيب المجلس الانتقالي (الطرف الوحيد الذي حسم أمره فيما يخص استعادة الدولة الجنوبية والعودة إلى نظام الدولتين الشقيقتين في هذا البلد المنكوب بساسته) أما النصف الٱخر من هذا النصف فحينما يتعلق الأمر بالقضية الجنوبية سوف لن يختلف في موقفه عن موقف الحوثيين ولا عن موقف غزاة 1994م الذين صاروا اليوم حكاماً للجنوب، لأن أعضاءه لن يعملوا إلا على تنفيذ أجندات أحزابهم السياسية التي تتمترس وراء شعار "الوحدة أو الموت" ولم تتخلَّ عن شعار "الوحدة المعمدة بالدم".

وباختصار:

"اتفاق الرياض"، "مخرجات مشاورات الرياض"، بما فيها "مجلس القيادة الرئاسي"، "حكومة المناصفة"، "الفريق التفاوضي"، "الإطار التفاوضي الخاص بالقضية الجنوبية"، كل هذه ليست آيات منزلة، ولا هي عقد نكاح كاثوليكي، يبقى للأبد غير قابل للنقض، بل إنها بالنسبة للجنوب والجنوبيين مجرد وسائل وأداوات مرحلية الهدف منها تمكين الجنوبيين من تحقيق هدفهم الأسمى وهو استعادة دولتهم الجنوبية الجديدة بحدود 21 مايو 1990م فإذا لم تساهم هذه الوسائل في تحقيق تلك الغاية الأسمى من كل غاية، ولا في التخفيف من عذابات الجنوبيين ومعاناتهم على الاقل، فلتذهب إلى الجحيم.

وإذا كانت تجربة "اتفاق الرياض" و"حكومة المناصفة" (المغشوشة) و"مجلس القيادة الرئاسي" لم ثتمر سوى عن استدراج المجلس الانتقالي الجنوبي، وتحويله إلى حزب مشارك في الحكم، بكل ما يتسبب به هذا (الحكم) من آلام وعذابات هي أقرب إلى الجرائم في حق الشعب الجنوبي وملايينه الستة، فإن الرهان على الفقاعات الوهمية الزائفة مثل "الفريق التفاوضي" و"الإطار التفاوضي" إنما يمثل مزيداً من التوريط للطبقة السياسية الجنوبية في متاهة ضياع الهدف والحرص على التمسك بالوسائل.

ورحم الله فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة الشاعر الخالد عبد الله البردوني الذي قال:

يا ندى يا حنان أم الدوالي

وبرغمي يجيب من لا أنادي!!

العـــصافيرُ في جــياعٌ

والــدوالي والقمحُ في كلِّ وادي

في حقولي ما في سواها ولكن

باعت الأرضَ في شراءِ السمادِ

التعليقات
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص