أخبار محلية
إجماع جنوبي داخل مجلس القيادة بشأن مصير حضرموت
تاريخ النشر: الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 - الساعة 20:07:10
حياة عدن / خاص :

يبدو أن حضرموت دخلت مرحلة حساسة تتشابك فيها الحسابات المحلية والإقليمية على نحو يعيد رسم خارطة النفوذ في شرق جنوب اليمن. فالأحداث الأخيرة، بدءًا من اشتباكات 12 نوفمبر في الساحل، ومرورًا بظهور قوات الدعم الأمني بقيادة أبو علي الحضرمي، ووصولًا إلى التصعيد السياسي بين عضو مجلس القيادة فرج البحسني ورئيس المجلس رشاد العليمي، تكشف عن عملية إعادة ترتيب أعمق وأكبر من كونها توترًا أمنيًّا أو نزاعًا بين مكونات ومصالح.

  • شرعية تتآكل ونفوذ يبتعد

تبدو الشرعية اليمنية بمؤسساتها وقرارها العسكري والأمني في موقع المتلقي أكثر من الفاعل في حضرموت. فمع تصاعد دور المجلس الانتقالي، وتماسك الحلف القبلي، وتقدم السعودية بمشروع قوات "درع الوطن"، بات نفوذ الشرعية يتقلص إلى حدود هامشية، إذ لم يتبقَّ للشرعية سوى خيط رفيع من التواصل بين المحافظ مبخوت بن ماضي ورئيس المجلس رشاد العليمي؛ وهو تواصل لا يشير ‘إلى قدرة تنفيذية بقدر ما يمثل واجهة رسمية لحضور يتآكل فعليًّا على الأرض.

المنطقة العسكرية الثانية، التي كانت تمثل ذراع الشرعية الأقوى في الساحل، تراجعت عمليًّا لصالح قوات الدعم الأمني التي يحركها الانتقالي وتدعمها أبوظبي، وبهذا أصبحت الشرعية غائبة رسميًّا عن "مسرح الفعل" وحاضرة في "خطاب المسؤولية" وفي تحريك الأذرع الخفية التي تصل حد التحالف مع منظمات إرهابية أولها جماعة الحوثي، وهو ما يفسر حدّة الاتهامات التي وجّهها البحسني للعليمي، والتي تؤكد بوضوح انفجار الخلاف بين رأسي الشرعية في حضرموت وأن اللواء البحسني حضرمي الهوى والمشروع والانتماء بما يدفعه لرفض أي مشاريع تستهدف حضرموت أو تنتقص من مكانتها السياسية وشراكتها.

  • صراع صلاحيات أم بداية مشروع جديد؟

تصريح اللواء فرج البحسني، الذي حمّل فيه رئيس المجلس رشاد العليمي مسؤولية ما آلت إليه حضرموت كشف عن تصدع حقيقي داخل مجلس القيادة الرئاسي بشأن حضرموت على الأقل، إضافة لانتقال الصراع إلى مستوى التشكيك في صلاحيات رئيس مجلس القيادة، كما بين الخلاف أن البحسني ينوي اتخاذ "قرارات أحادية الجانب" بالتنسيق مع أعضاء آخرين، في إشارة واضحة إلى تكتل جنوبي أو إجماع جنوبي داخل مجلس القيادة بشأن حضرموت، لا سيما وأن هناك معلومات عن لقاء سيعقده كل من فرج البحسني وعيدروس الزبيدي وعبدالرحمن أبو زرعة المحرمي.

هذا التصعيد يتزامن مع تحركات قوات الدعم الأمني التابعة للانتقالي في الساحل، ومع تفقد بن ماضي لقوات "درع الوطن" المدعومة سعوديًّا، ما يدل على أن كل طرف يثبت قدمًا في ساحل ووادي حضرموت بانتظار لحظة الحسم السياسي.

  • البحسني والانتقالي

تشير الوقائع إلى ظهور تقارب تكتيكي بين اللواء البحسني وقيادة المجلس الانتقالي بشأن حسابات جديدة بشأن حضرموت وكذا الظهور بموقف موحد حيال ممارسات مجلس القيادة والشرعية اليمنية إزاء حضرموت ووضعها الخدمي والأمني.

تزامن تصعيد البحسني ضد العليمي مع توسع الانتقالي عسكريًّا عبر الدعم الأمني، يؤكد أن الطرفين يشتركان في رؤية مفادها أن حضرموت تحتاج إلى "قرار مستقل" بعيدًا عن مركز الشرعية اليمنية.

البيئة الشعبية في الساحل، التي تتوجس من قوات الدعم الأمني، تمنح البحسني فرصة لتقديم نفسه كبديل قادر على ضبط التوازن بين القبيلة والقوة العسكرية الجديدة. لكن هذا التقارب لا يزال في مرحلة جس النبض، ولم يصل إلى مستوى التحالف المعلن، خصوصًا في ظل تدخلات إقليمية متباينة بين أبوظبي والرياض.

  • حلف بلا موقف

يمثل الحلف القبلي خصوصًا جناح الشيخ عمرو بن حبريش أحد أهم عوامل توازن القوة في حضرموت، لكن موقفه خلال التصعيد الأخير اتسم بـ: الغضب من دخول قوات الدعم الأمني واتهامها بأنها قادمة من خارج المحافظة.

التمسك بفكرة أن الأمن شأن حضرمي داخلي، ولا يجوز لأي قوة غير منبثقة من النسيج القبلي أن تفرض حضورها.

عدم إعلان موقف صريح من الخلاف بين البحسني والعليمي أو من مشروع الانتقالي في الساحل.

ما يعني أن الحلف لم يحسم اتجاهه بعد، وأن قراره سيكون عاملا مهما لمصير أي مشروع سياسي أو عسكري في حضرموت.

  • خارطة النفوذ الإقليمي

الإمارات تدفع بقوة لتثبيت نفوذها في الساحل عبر قوات الدعم الأمني، باعتبارها امتداداً لمشروع الانتقالي والسعودية تعمل على ترسيخ قوات "درع الوطن" في الوادي والصحراء، وتسعى لنقطة ارتكاز على البحر العربي ويمثل المحافظ بن ماضي رأس هذا المشروع. بينما عُمان تقف سياسيًّا إلى جانب المزاج القبلي التقليدي، الرافض لتمدّد الانتقالي شرقاً، وتراقب التطورات خشية اختلال ميزان القوى في الشرق اليمني.. وبهذا يتحول المشهد الحضرمي إلى نقطة تقاطع إقليمي تتنافس فيها أبوظبي والرياض على النفوذ، فيما تُمسك القبيلة بمفتاح الشرعية الاجتماعية.

  • إلى أين تتجه حضرموت؟

القراءات الأولية تشير إلى ثلاثة مسارات محتملة:

1 . تعزيز نفوذ الانتقالي في الساحل:

إذا استمرت قوات الدعم الأمني في التمدد بدون رد ميداني من الحلف القبلي أو تدخل سعودي مباشر.

2 . صعود مشروع "درع الوطن" في الوادي والساحل:

وهو السيناريو الذي تعمل عليه الرياض عبر المحافظ بن ماضي.

3 . ظهور تحالف بين البحسني والانتقالي:

رغم أن البحسني يشغل نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي إلا أن الوضع في حضرموت يقتضي تشكيل مركز قوة جديد ينافس الشرعية ويعيد توزيع السلطة داخل المحافظة.

العامل الأكثر غموضًا والأكثر تأثيرًا يبقى موقف حلف القبائل، وتحديدًا جناح بن حبريش، الذي لم يحسم بعد اتجاهه النهائي.

  • خاتمة

حضرموت اليوم أمام صراع نفوذ متعدد المستويات: شرعية تتراجع، انتقالي يتمدد، قبائل تترقب، بحسني يقفز بقوة إلى واجهة المنافسة السياسية، رياض وأبوظبي تتقابلان على حدود النفوذ، وما يجري الآن يبدو وكأنه مرحلة انتقالية يعاد فيها تعريف من يملك القوة ومن يحق له إدارة حضرموت.. فهل تتجه المحافظة نحو صيغة حكم جديدة؟ أم نحو صراع أكبر بين مراكز القوى المتداخلة؟

التعليقات
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص