العلاقة بين الجنوب وروسيا ليست عابرة أو طارئة، بل هي علاقة تاريخية عميقة، تأسست على أسس من الشراكة والثقة منذ أيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، حين كان الاتحاد السوفيتي شريكًا استراتيجيًا للجنوب في السياسة والدفاع والتعليم والاقتصاد.
آلاف الجنوبيين تخرجوا من الجامعات والمعاهد الروسية في الطب، والهندسة، والعلوم العسكرية والسياسية، حتى أصبحت اللغة الروسية تُعد اللغة الثانية في الجنوب، وارتبطت النخبة الجنوبية آنذاك بذاكرة علمية وثقافية وسياسية راسخة بموسكو.
استضافت عدن المدرسة الروسية ودار العلاقات الروسية، وكان للخبراء الروس دور محوري في بناء مؤسسات الدولة الجنوبية الحديثة، والمساعدة في بناء جيش جنوبي قوي، مزوّد بأحدث الأسلحة، ومنظومة أمنية متكاملة. وُقّعت عشرات الاتفاقيات الاستراتيجية في مجالات حيوية، أبرزها الطاقة والنقل والدفاع والتدريب الفني.
لكن مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وجد الجنوب نفسه معزولًا، محاطًا بتحديات جسيمة، دفعت قيادته للذهاب نحو مشروع الوحدة مع الشمال بنوايا وطنية صادقة، لكنه تحوّل لاحقًا إلى احتلال وهيمنة، وما زال الجنوب حتى اليوم يدفع ثمن تلك الخطوة، في نضاله المتواصل لاستعادة دولته وهويته.
اليوم، تأتي العودة نحو موسكو في سياق انفتاح سياسي متوازن يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي، وعلى رأسه الرئيس القائد عيدروس الزبيدي، لفتح صفحة جديدة من الشراكة مع الحليف التاريخي، بما يخدم مصالح الجنوب ويعزز حضوره في المحافل الدولية.
إن بناء علاقات استراتيجية متجددة مع روسيا، تُعيد الاعتبار للمصالح المشتركة، وتسهم في دعم مسار الجنوب نحو الاستقلال واستعادة دولته، هو مسار سياسي واقتصادي بالغ الأهمية، يعكس وعي القيادة بحجم التحديات، وبضرورة تنويع الشراكات الدولية.
