
:عاشت عدن أجمل أيام ازدهارها في عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، حين كانت تنعم بالأمن والاستقرار، وكان الصرح التعليمي يحظى باهتمام بالغ. لقد أولت الدولة حينها اهتمامًا كبيرًا ببناء العقول قبل بناء الحجر والتراب، على عكس ما نراه اليوم.
كانت دولة المواطنة متساوية، لا أفضلية لأحد على الآخر، الكل سواسية كأسنان المشط.
أما اليوم، فنحن لا نطمح فقط لتزيين الشوارع باللون الأسود، ولا لزراعة الأشجار على جوانب الطرقات، بل نحن بأمسّ الحاجة إلى تلميع العقول واستنارتها، فبالعقول تُبنى الأوطان، وبها نُصلح حاضرنا ومستقبلنا. نحن بحاجة إلى تأهيل شامل نلمس أثره في سلوكنا وتعاملاتنا اليومية.
ما يحدث اليوم في الجنوب لا يشبه ما كنا نحلم به ونتطلع إليه.
لقد كنا نأمل باستعادة الجنوب بنظامه، لا بجنوب جديد تُسيطر عليه العنصرية والمناطقية والقبلية المقيتة.
نحن اليوم لا تنقصنا البقعة الجغرافية لنطالب باستعادتها، فنحن على أرضنا، موجودون فيها، لكن ما ينقصنا هو النظام.
ذلك النظام الذي لطالما تغنّى به الجنوبيون، وخرجوا لأجله إلى الساحات، ينقصنا دولة النظام والمؤسسات.
كمواطن جنوبي، لا يكفيني أن أرى شعار "دولة الجنوب" مرفوعًا فوق المباني ومراكز الدولة، بل أريد أن يُطبق هذا الشعار على أرض الواقع.
نريد عملًا ملموسًا، نريد نظامًا، نريد دولة تحترم الإنسان وتمنحه حقه.
ما نراه اليوم في الجنوب لا يعكس تلك التطلعات.
أصبح الكثيرون يبحثون عن مصالحهم الشخصية، متناسين مصلحة الوطن.
حين بدأ الحراك الجنوبي، كنا نحلم بإقامة مهرجانات وفعاليات نوصل فيها صوتنا للعالم، نعلن من خلالها رغبتنا في استعادة دولتنا، لكن من كنا نعوّل عليهم، حين وصلوا إلى مراكز قيادية، تركونا نعاني وحدنا.
لقد نسوا شغف البدايات، بعد أن حصلوا على ما أرادوا من مناصب وحياة رغيدة، وكأنهم كانوا يسعون للمال لا للوطن، وحين تحقق لهم ذلك اكتفوا، للأسف الشديد.
أصبحنا غرباء في وطننا، نتعامل وكأن لا حقوق لنا.
أبسط حقوقنا المشروعة: الماء، الكهرباء، التعليم، الصحة، الأمن، والأمان، وهي من أساسيات الحياة، ومع ذلك لم تُوفّر لنا.
فإن لم تستطيعوا توفير أبسط حقوقنا، فما هو دوركم في السلطة؟!