• آخر تحديث: الثلاثاء 10 يونيو 2025 - الساعة:00:16:08
آخر الأخبار
أخبار عدن
النسري… شموخ الجبال وعنوان الإرادة.. موطن لا يعرف الانحناء
تاريخ النشر: الثلاثاء 10 يونيو 2025 - الساعة 00:16:08 - حياة عدن /بقلم: وضاح نصر عبيد الحالمي: 

في أعالي جبال حالمين، حيث تتعانق القمم بالسحاب، وتنسدل الظلال على صدور الصخور الصلبة، ترقد "النسري" – مسقط الرأس – مرفوعة الرأس، لا تعرف الانحناء، لا أمام ريح، ولا في وجه الزمان.
النسري ليست مجرد اسم على خارطة، بل موضع في القلب، وقطعة من الروح تنبض رغم البعد. هي أول ضحكةٍ عرفتها، وأول زهرةٍ قطفتها مخيلتي من تراب الطفولة.
كل حجرٍ فيها يروي قصة فخر، وكل دربٍ يقود إلى معنى الرجولة الصادقة، والحياء النبيل.
في النسري، كما في كل قرى حالمين، رجالٌ ونساء سكنتهم النخوة، وسكن فيهم الكرم والشجاعة. لا يُسأل أحدهم: "هل تُكرم ضيفك؟"، فالكرم فيهم فطرة، يجري في العروق، لا رياء فيه ولا تكلف.
هم أبناء مديريةٍ لم تخبُ جذوة مواقفها، ولم تهن عزائمها. حالمين، قلعة الثبات، ومهد الأحرار.
من النسري... إلى الدهلكة
من هذه القرية الجبلية بدأت رحلتي مع العلم. في مدرسة الدهلكة الأساسية، تتلمذت حتى الصف الثامن، برفقة زملاء من قرى متفرقة في جبل حالمين.
في تلك المرحلة، كنت – بفضل الله ثم بفضل معلمين أفاضل – من الأوائل. علمونا أن الأخلاق أساس العلم، وأن الانتماء لا تكتبه الشهادات، بل تغرسه القلوب.
إلى معلمي، رسالة امتنان...
أيها المعلم،
منك تعلّمنا أن العلم ليس أوراقًا تُقلب، بل نورًا يضيء العقول، ويهدي القلوب.
كنت في عزّ الظلمة ضوءًا، وفي أوقات التعب صبرًا وأملًا.
كل عيد وأنت النور في دروب طلابك... فأنت العيد الحقيقي الذي لا يغيب عن الذاكرة.
وفي هذا العيد... تحية وفاء إلى أهلي في النسري
في العيد، لا أنسى أهلي في القرية التي علّمتنا معنى الصبر والكفاح.
كانت أمي، ونساء النسري، يجلبن الحطب والماء من مسافات بعيدة، ويزرعن الأرض بأيدٍ شريفة وقلوبٍ صابرة.
وكان أبي، ومعه رجال النسري، ينحتون الصخر، ويبنون البيوت، حتى استطاعوا – بتكاتف أبناء القرى: العمري، الباقري، أسفل الوادي، رشدة، الرباط، الغرب، وغيرها – أن يشقوا طريق "حصص"، الحلم الذي تحقق بإرادة صلبة، وعزائم لا تلين.
رحم الله الفقيد صالح أحمد سعيد، أحد الرجال الذين كان لهم دور بارز في تحويل هذا الحلم إلى واقع.
كنا فقراء في الوسائل، لكننا أغنياء في العزيمة
في النسري، كما في بقية قرى جبل حالمين، لم نكن نعرف شيئًا اسمه "رفاهية":
لا طريق معبّدة، لا كهرباء، لا مركز صحي...
كنا نعيش وكأننا على جزيرة منسية.
لكننا كنا نمتلك ما هو أغلى: إرادة لا تنكسر، ورضا يسكن الأرواح، وعزيمة تُعلّم الصخر كيف يلين.
رحم الله أبي وأمي...
حملا عنا أثقال الحياة، بصمتٍ لا يشتكي، وبعطاءٍ لا ينضب.
لا يزال اسمي يحمل شيئًا من نبلهم وكرامتهم.
أسأل الله أن يتغمدهم برحمته، ويبارك في كل يدٍ تعمل بالحَبّ والمِعول، وتزرع الحياة في وجه القسوة.
ختامًا...
النسري ليست مجرد مكان نعود إليه، بل شرف نعيشه كل يوم.
الدهلكة لم تكن مدرسة فقط، بل كانت مصنعًا للوعي، ومنبع أمل.
المعلم هو من يضيء لنا الطريق، ولو كبرنا بعده بسنين.
أما الأب والأم... فهما الجذر في الأرض، والفرع الممتد في السماء.
لكل ذرة ترابٍ في النسري، بل في حالمين كلها، سلامٌ يليق بشموخها.
ولكل من علّمني حرفًا أو أخلاقًا، شكرٌ لا تسعه الكلمات.
ولكل من لا يزال يحمل قريته في قلبه، فليعلم أنها تفخر به، كما يحق له أن يفخر بها..

»رئيس انتقالي لحج«

التعليقات
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

الصحافة الآن