• آخر تحديث: الخميس 18 ابريل 2024 - الساعة:23:25:41
آخر الأخبار
أخبار عدن
ما ترجّل عن صهوة جواده لولا الغدر وإرهاب المسوخ وقهر الرجال ..
جواس والوداع المُرّ .. نهاية قصة خالدة لقائد لم يُهزم وبطل لن يتكرر
تاريخ النشر: الاحد 27 مارس 2022 - الساعة 19:56:47 - حياة عدن / غازي العلوي :

- يوم كئيب حالك السواد علت فيه راية الحزن وانهمرت دموع رجال أشداء

- هكذا ودع الجنوبيون قائدهم الذي أرعب الفرس ومرتزقة إيران حيًا وميتًا

- من قتل جواس؟

 

"وداعًا أسد ردفان والجنوب وقاهر الفرس والمجوس"، كلمات صدحت بها حناجر الآلاف من أبناء ردفان والجنوب الذين تقاطروا من كل حدبٍ وصوب للمشاركة في مراسيم تشييع جثمان الشهيد القائد اللواء الركن/ ثابت مثنى جواس ومرافقيه الذين ارتقوا شهداءً مساء الأربعاء الماضي في عملية إرهابية جبانة وغادرة شمال العاصمة عدن.

هو جوّاس ردفان والجنوب، الذي صال وجال في كل ساحة وميدان ولم يتخلّف أو يتراجع للوراء يومًا من الأيام عن مبادئه ومهامه العسكرية، وأبلى في التصدي لمشروع إيران، وهزم مليشيا الإرهاب ومضى على العهد والوعد ينشد للجنوب حريته واستقلاله.

يوم كئيب حالك السواد علت فيه راية الحزن وانهمرت دموع رجال أشداء لم ينكسروا ولم يأخذ الحزن منهم مأخذه، رغم الشدائد وفواجع الزمن وكوارثه التي تفاجئنا كل يوم، نعم انهمرت دموعهم وسالت من مآقيهم قبل أن تنهمر دموع عامة الناس، وقبل أن تتوشح جبال ردفان الشامخة بالسواد، وقبل أن ينكس الجُند أسلحتهم إلى الأرض حزنًا وكمدًا على رحيل قائد بحجم الشهيد ثابت مثنى جواس.

 

نهاية قصة خالدة لقائد لم يُهزم ولن يتكرر

يوم الجمعة أسدل الستار عن نهاية قصة خالدة سُطرت بتاريخ المجلد والشرف لبطل لم يُهزم، وقائد عسكري فذ لن يتكرر أبدا، ويقينًا علم الجميع الآن أن الفارس ترجّل من على صهوة جواده مودّعا وطنًا وشعبًا كان لهم حصنًا لا ينكسر.. ترجَّل جواس الجنوب تاركًا خلفه تاريخًا حيّاً بالمآثر، وعشقًا منثورًا في ثرى الجبال السُمر بادلته الوفاء، فشربت من روحه الكثير لكنه ما تخلف عن الركب.. قصة نضال وبطولات كُتبت سطورها بأزيز الرصاص المنهمر، وما ترجّل لولا الغدر وإرهاب المسوخ وقهر الرجال. 

لقد مرت من هنا لحظة صادمة، حين تسلل القاتل على أطراف أصابعه كلصٍ يعسُّ بليل داجٍ، وما أفلح القاتل، لكن أحدث دبيباً في الأرواح المشتاقة لرفع راية المجد، هنا فقط يتوقف الزمن وتفشل عقارب الساعة عن الدوران، ويتمزق السكون ومضى يسابق الضوء فانحنت أمامه أنظمة الكون وتلاشت في أتون ثقب أسود لا يشبع من الأشلاء والدماء المسفوكة على قارعة الطرق.. زمن تعثر عنده العبور، وتوقف مُكرهاً عند ضجيج البارود المنفلت، ليعلن عن تراجيديا اللحظة الماكرة بمشاهد مريبة تسترجع مآثر لم تكن في شاشة العرض حينما تخلفت تفاصيل البث عن الوصول إلى المنابر وقنوات التراسل المتحيزة.

تلك هي الفاجعة - كما وصفها د. محمد سعيد الزعوري في مرثيته للشهيد جواس – و"التي (أي الفاجعة) كان الجميع ينتظرها؛ لكنها مرت عنوة على أشلاء العظماء، ونثرت من ذوائبها الماكرة رذاذًا من بكاء المرايا وحنين المدائن المنهكة ومضت مثقلة بالزهو الفاجر الحقير.

 نم قرير العين (جواس) أنت ورفاقك، فقد أحييت فينا الكبرياء، وأشعلت ثورة الكرامة لتقتلع شذاذ الآفاق أينما كانوا فغداً لناظره قريب، فلم يحن الوقت للرثاء بعد، وإن تملكنا الحزن وجفت المآقي من الدموع، وتشبثت في حنايا النفس الكالحة غصة مجنونة لا تتوقف، فلن نبرح المكان حتى ننتصر ونرفع راية المجد في كل شبر من أرضنا السليبة، والله غالب على أمره".

 

موكب الوداع الأخير

على مقطوعات جنائزية معبرة عزفتها الموسيقى العسكرية الجنوبية، جرت صباح الجمعة مراسيم تشييع رسمية وشعبية مهيبة لجثمان الشهيد القائد اللواء الركن ثابت مثنى جواس ومرافقيه الذين ارتقوا شهداءً مساء الأربعاء الماضي في عملية إرهابية جبانة وغادرة شمال العاصمة عدن.

انطلق موكب التشييع الذي تقدمته وحدات رمزية من القوات المسلحة الجنوبية من مستشفى ابن خلدون بعاصمة محافظة لحج إلى مسقط رأس الشهيد البطل والقائد الجسور اللواء الركن ثابت جواس ومرافقيه في حبيل السبحة بمديرية حبيل الجبر ردفان.

وتقدم موكب التشييع الدكتور ناصر الخبجي، عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، رئيس وحدة شؤون المفاوضات، والأستاذ فضل الجعدي نائب الأمين العام لهيئة رئاسة المجلس الانتقالي، والعميد علي أحمد البيشي قائد القوات البرية الجنوبية، والعميد محسن الوالي، القائد العام لقوات الحزام الأمني، والمئات من قادة وضباط القوات المسلحة الجنوبية والآلاف من محبي القائد الشهيد في القطاعين العسكري والمدني.

وأمام جثامين الشهداء، التي لُفَّت بعلَم الجنوب، جددت الجموع الحاشدة - التي توافدت للمشاركة في مراسم تشييع واحد من أعظم القادة العسكريين الجنوبيين - على المضي قدمًا في الطريق الذي سلكه الشهداء وفي طليعتهم اللواء الركن ثابت مثنى جواس قائد محور العند قائد اللواء 131 مشاة.

وأكد المشيعون أن اللواء الركن والقائد الجسور الشهيد ثابت مثنى جواس سيظل على الدوام رمزًا خالدًا في ضمير ووجدان شعبنا الجنوبي وصفحات تاريخه وعقيدة قواته المسلحة… وسيبقى بمسيرته الظافرة قائدًا لم يُهزم ومدرسة قيادية عسكرية احترافية وتربوية وطنية جنوبية ملهمة تنهل الأجيال منها معاني البطولة والفداء.

 

سنوات من الرصد والتتبع لاغتيال جواس

حادثة لم تكن الأولى التي تحاول فيها جماعة الحوثي اغتيال القائد جواس، فقد سبقتها محاولات نجا منها، أبرزها حادثة استهداف منصة العرض في قاعدة العند عام 2019م، وآخرها محاولة اغتياله عبر تفجير سيارة مفخخة قرب بوابة مطار عدن في أكتوبر الماضي، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة نحو 50 مدنياً.

حيث كشفت مصادر أمنية وإعلامية بأن جواس كان هو المستهدف من الحادثة، عقب وصوله إلى مطار عدن، إلا أن سيارته مرت قبل الانفجار بدقائق، وهو ما يعكس حجم الرصد والملاحقة من أعدائه وسط خذلان مؤلم من خصوم أعدائه.

 

من هو اللواء ركن ثابت جواس؟

يعتبر جواس، المولود عام 1948م، بمنطقة ”حبيل السبحة“ في مديرية حبيل جبر، بمحافظة لحج، أحد أبرز قادة الجيش اليمني الذين خاضوا معارك ضد ميليشيات الحوثيين، وارتبط اسمه بمعارك قوية دارت بين عاميْ 2004 و2010.

وبرز اسم جواس خلال الحرب الأولى من حروب صعدة الست، التي شنّها النظام اليمني ضد ميليشيات الحوثيين، منذ العام 2004م، خاصة بعد مقتل مؤسس جماعة الحوثيين حسين بدر الدين الحوثي، وانتشار شائعات على نطاق واسع تشير إلى أن جواس هو من قتله.

وعُرف عن ”جواس“ قائد محور العند العسكري، قائد اللواء 131 مشاة، مؤخرًا، بتميزه بالكاريزما العسكرية المطلوبة، وخبرته الكافية، وهو ما أهله لتزعّم القيادة العسكرية خلال الحروب الأولى، والثانية، والثالثة، التي دارت في محافظة صعدة، المعقل الرئيس للحوثيين.

وكان ”جواس“ هو أول الواصلين إلى مخبأ زعيم الجماعة الحوثية، حسين الحوثي، المتخفي في مكان وعر بمنطقة ”مران“ في صعدة الجبلية، في العام 2004م، وخاض مواجهة مباشرة معه بمسدسه الشخصي احتفظ به، لكنه نفى أن يكون قد أطلق النار على مؤسس الجماعة الحوثية رغم تعرضه لإطلاق نار منه، كما قال في حوار صحفي مع صحيفة عربية في العام 2015.

ويعود الشغف العسكري الذي امتاز به اللواء الركن ثابت جواس إلى الظروف المعيشية الصعبة التي كانت تعيشها أسرته، وهو ما دفعه للالتحاق بالسلك العسكري.

وكانت أولى المهام القيادية التي تقلدها هي قيادة إحدى كتائب اللواء 14 مدرع، ثم سرعان ما أصبح قائدًا للواء ”باصهيب“ العسكري جنوب البلاد.

لكن نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، سرَّحه من وظيفته إلى جانب الآلاف من الضباط الجنوبيين الآخرين عقب ”الوحدة اليمنية“ بين جنوب اليمن وشماله.

ولاحقًا، عُين ”جواس“ قائدًا للواء 15 مشاة بمحافظة صعدة، قبل أن يعينه الرئيس الحالي للبلاد، عبدربه منصور هادي، قائدًا لقوات الأمن الخاصة بمحافظة عدن، قبيل تمدد ميليشيات الحوثيين، التي أسقطت عدة محافظات، نحو الجنوب في مارس من العام 2015.

وخلال الحرب التي شنتها ميليشيات الحوثيين على المحافظات الجنوبية وعدن، عام 2015، سرعان ما عاد اسم ”جواس“ إلى البروز مجددًا بعد خفوته عقب حرب صيف 1994، وقاد قوات محلية للانقضاض على الحوثيين قرب قاعدة ”العند“ العسكرية بمحافظة لحج.

وشغل ”جواس“ لاحقًا منصب قائد محور العند العسكري، وقائد اللواء 115 مشاة في لحج.

وفي العام 2021م، أصدرت ميليشيات الحوثيين حكمًا بالإعدام ضد اللواء الركن ثابت جواس، إلى جانب 74 قياديًا عسكريًا لدى قوات الجيش اليمني.

مؤخرا أعلن القائد جواس دعمه وتأييده للمجبس الانتقالي الجنوبي ومطالب الجنوبيين باستعادة دولتهم التي كانت قائمة حتى العام 1990م قبل الدخول بوحدة اندماجية يرى الجنوبيون أنها انتهت بالعام 94م حين أعلن الرئيس اليمني آنذاك علي عبدالله صالح الحرب على الجنوب.

 

الإرهاب في الجنوب.. لماذا يتجاهله المجتمع الدولي؟

أثار التجاهل الدولي "غير المبرر" لواقعة التفجير الإرهابي في العاصمة عدن، الذي أسفر عن اغتيال اللواء ثابت مثنى جواس قائد محور العند العسكري، غضبًا جنوبيًّا.

القائد العسكري اللواء جواس تعرض للاغتيال برفقة عدد من مرافقيه في تفجير استهدف سيارته.

مرّ أكثر من أربعة أيام على العملية الإرهابية ولا تزال هناك حالة صمت دون إبداء أي موقف أو تفاعل من قِبل المجتمع الدولي، بما يشي على الأرجح - بما يصفه محللون جنوبيون - بأنه تعامل بازدواجية مع الوضع الأمني في الجنوب.

التجاهل الدولي لا يثير غصة جنوبية وحسب، لكنه قد يصل إلى درجة فتح شهية التنظيمات الإرهابية من أجل تكثيف عملياتها العدوانية ضد الجنوب، وهو ما يُشكل تهديدًا عاصفًا لأمن المنطقة برمتها.

ليس هذا الهجوم الإرهابي هو الأول من نوعه الذي يتجاهله المجتمع الدولي فيما يخص الإرهاب في الجنوب والكلفة القاسية التي تكبّدها الجنوبيون من جرّاء هذا الإرهاب المسعور، فهناك الكثير من التقارير التي وثّقت إرهاب الشرعية ضد الجنوب، أحدثها التقرير الصادر عن منظمة "حق" للحقوق والحريات التي عقدت مؤتمرًا صحفيًّا لإشهار تقريرها بعنوان "أحداث تفجيرات عدن وتخادم الإرهاب الحوثي - الإخواني والجماعات الإرهابية – القاعدة وداعش".

 

تناول ذلك التقرير العمليات الإرهابية التي نفّذتها المليشيات الإخوانية الإرهابية، مثل جريمة استهداف مطار عدن الدولي في ديسمبر 2020، وجريمة استهداف موكب محافظ محافظة عدن، واستهداف بوابة مطار عدن الدولي في أكتوبر 2021، وغيرها من العمليات الإرهابية.

مثل هذه التقارير يمكن الاعتماد عليها في تشكيل حراك دولي عبر مخاطبة المنظمات الدولية والمجتمع الدولي لإطلاعها على حجم الإرهاب الذي استشرى بشكل غير مسبوق في الجنوب، باعتبار أن تفشي الإرهاب على هذا النحو يهدد أمن المنطقة برمتها.

 

تلميحات حوثية إخوانية تتبنى اغتيال جواس

أظهرت عناصر المليشيات الإخوانية وحليفتها الحوثية، حالة من التشفي والشماتة في ارتقاء الشهيد البطل اللواء ثابت جواس قائد معسكر العند، بما يعزّز من الترجيحات بأن ما تُعرف بالشرعية متورطة في الهجوم الإرهابي بالتنسيق مع حليفتها المليشيات الحوثية.

وبدا واضحًا، من تعليقات العناصر الإخوانية، طابعًا انتقاميًّا من الجنوب، في إشارة إلى أنّ هذه العناصر أعدت الخطة لتوجيه مثل هذه الضربات الإرهابية بعدما أغرقت الجنوب بالكثير من الخلايا الإرهابية على مدار الفترات الماضية.

تصريحات الحوثيين والإخوان التي رُصِدت فيها حالة احتفاء بالعملية الإرهابية يمكن اعتبارها تبنيًّا لهذه العملية حتى وإن كان الأمر بشكل غير مباشر.

الأخطر من ذلك أنه رُصدت تلميحات إخوانية حوثية بالاستمرار في ارتكاب تلك العمليات، بما يحمل تهديدًا خطيرًا لأمن الجنوب وينذر بتنفيذ مثل هذه الهجمات الإرهابية خلال الفترة المقبلة.

هذه المخاطر استدعت تدخلًا جنوبيًّا تمثل بتوجيهات عاجلة أصدرها أحمد حامد لملس محافظ العاصمة عدن، للأجهزة الأمنية بتكثيف انتشارها ورفع درجة اليقظة الأمنية بالمنافذ الرابطة مع محافظة لحج.

وشملت الأوامر بتشديد الإجراءات الأمنية في المنافذ ورصد أي عناصر إجرامية على صلة بالعملية الإرهابية الغادرة التي استهدفت الشهيد اللواء ثابت جواس ومرافقيه بالمنطقة الخضراء.

توجيهات لملس عكست استعدادًا جنوبيًّا لمجابهة التهديدات الأمنية التي تلاحق الجنوب على الصعيد العسكري، في مؤشر للعمل على تفكيك الخلايا الإرهابية التي تتربص بالجنوب منذ فترات طويلة.

 

التعليقات
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الصحافة الآن